الأربعاء، 10 مارس 2010

سفر دانيال - مقدمة

سفر كل مؤمن من الشعب
لسفر دانيال أهمية خاصة في حياة المؤمنين، فهو ليس سجلاً لحياة دانيال النبي ولا تاريخًا لحقبة من تاريخ بني إسرائيل أثناء السبي البابلي، لكنه كتاب إلهي يُقدمه لنا روح الله القدوس ليبعث الرجاء في النفوس الجريحة. فإن كان يسمح لنا أحيانًا أن نُلقي في أتون التجارب، لكنه يُغير طبيعة النيران لأجل راحتنا وسلامنا.

فمن ناحية يكشف لنا هذا السفر أن الله هو ضابط التاريخ كله، يعمل لحساب بنيان مؤمنيه المخلصين أينما وُجدوا. ومن ناحية أخرى يكشف لنا أن الله يتمجد في القلة القليلة جدًا المُخلصة، هو سندهم في تقديس حياتهم، وهو سور نارٍ يحميهم، والمُدبر لخلاصهم.

إن كان الله يسمح لمؤمنيه بالضيق كما سمح لدانيال بسبيه وهو بعد شاب صغير، لكنه خلال التجربة رفعه إلى أعلى الدرجات ليسجد له أعظم ملك في ذلك الحين، يسجد له مُدركًا أن فيه روح قدوس القديسين طالبًا بركته ورضاه؛ كما فتح الرب عن بصيرته لا ليهبه حكمة فيعرف أحلام الملك ويُفسرها له، ولا ليدبر أمور المملكة بحكمةٍ وفهمٍ فحسب، وإنما ما هو أعظم لكي يتمتع بأسرار الله الفائقة، فيكشف له الروح عن عمل الله المستقبلي والأبدي مع البشرية.

إنه سفر الصداقة الإلهية القادرة وحدها أن ترفع قلب المؤمن إلى الحياة السماوية الفائقة، حتى وإن عاش في أرض الغربة كمسبي.

إنه سفر "المعرفة الإلهية"، التي يُقدمها الله لمختاريه ومحبوبيه، هذه المعرفة التي تنبع عن الإيمان الصادر من قلب متسع بالحب الإلهي. هذه المعرفة تُوهب خلال خبرة الضيق الشديد واحتمال الآلام من أجل الله وشعبه. يكشف أيضًا السفر كيف يحاول عدو الخير أن ينتزعها بتحطيم إيماننا.

أخيرً، فإن هذا السفر موجه إلى كل مؤمن من الشعب ليعرف دوره الحيّ في حياة الكنيسة كما في حياة البشرية كلها، وإذ لم يكن دانيال متفرغًا للخدمة والنبوة لكنه كان أشبه برئيس الوزراء في دولة سيطرت على العالم أجمع. عرف كيف يُعطي ما لقيصر لقيصر، وما لله لله. وإن كان دانيال لم يرجع إلى أورشليم مع العائدين من السبي، ولم يشترك مع نحميا في بناء السور، ولا مع زربابل في إعادة بناء الهيكل، لكنه كان الرجل الأول الخفي العامل في هذه الأمور، إذ كان له تأثيره على ملوك بابل وفارس. لقد قدم خدمة فائقة من جوانب متعددة خلال حياته المقدسة وأمانته في عمله.

ليت روح الرب يفتح بصائرنا لنكتشف أسراره الإلهية، ونتعرف عليه، ونقبل صداقته عاملة فينا، فيستخدمنا في الموقع الذي يراه لبنيان ملكوته.

الثلاثاء، 9 مارس 2010